القضية الفلسطينية

القضية الفلسطينية

 
إشكالية الوحدة : توضيح مراحل ومظاهر التغلغل الصهيوني بفلسطين، وأشكال المقاومة الوطنية التي واجهته.
 
І- مراحل وخصائص التغلغل الصهيوني بفلسطين.
توغلت الصهيونية بمنطقة فلسطين عبر ثلاث مراحل أساسية معتمدة أساليب استعمارية متعددة.
1) المرحلة الأولى: مظاهر التسرب الصهيوني إلى فلسطين منذ القرن 19 إلى سنة 1917 .
 دور الاتصالات الانجليزية مع الإمبراطورية العثمانية: منذ القرن التاسع عشرة كثفت بريطانيا اتصالاتها مع سلاطين الإمبراطورية العثمانية وخاصة مع السلطان عبد الحميد، لإقناعهم بعودة اليهود إلى فلسطين ، وزعمت بان اليهود سينجزون مشاريع اقتصادية مهمة ، تعود بفوائد اقتصادية ومالية على ميزانية الإمبراطورية العثمانية المتأزمة.
 دور التسرب الاقتصادي الصهيوني إلى فلسطين: لقد استطاعت الاتصالات والإغراءات التي قامت بها انجلترا، إقناع السلطان عبد الحميد بالسماح لليهود بالعودة إلى فلسطين ،وفي هذا الصدد تدفقت الجاليات اليهودية وشرعت في شراء الأراضي وتشييد المستعمرات، ويعتبر اليهودي موشي مونتفيوري اكبر رجال الأعمال الذي حرض الصهاينة على الاستيطان بفلسطين.
 دور مقررات مؤتمر بال: انعقد مؤتمر بال بسويسرا بين 29 و31  غشت1897 حضره حوالي 204 من أعضاء الجاليات اليهودية بأكثر من  15 دولة، وترأسه ثيودور هرتزل وقد أسفر المؤتمر على القناعات اليهودية الآتية: ضرورة تشجيع الفئات اليهودية الزراعية والحرفية والمهنية وغيرها على الاستيطان بفلسطين . ثم تقوية الشعور والضمير القومي لليهود على الصعيد العالمي. والعمل على تأسيس مؤسسات ومنظمات توحد وتنظم وتسير القومية اليهودية. وكان هدف هذه القرارات هو تكوين وطن قومي للشعب اليهودي بفلسطين.
 دور وعد بلفور: إلى جانب الدعم الاقتصادي السابق، وعدت انجلترا في شخص وزير خارجيتها آرثر جيمس بلفور في نونبر 1917اليهود بإقامة وطن قومي لليهود بفلسطين.

دور الدول الرأسمالية الغربيـة:  تحالفت برجوازية القوى الاستعمارية وخاصة الانجليزية مع البرجوازية اليهودية على ضرورة تركيز الاستيطاني اليهودي بفلسطين ، لان ذلك يحقق الطموحات المالية والاقتصادية المهمة للطرفين في منطقة المشرق العربي ومنطقة الشرق الأقصى.
2) المرحلة الثانية: مظاهر التغلغل الصهيوني بفلسطين مابين 1917و1939.
 دور صك الانتداب الانجليزي: أعطت عصبة الأمم لانجلترا حق فرض انتدابها على فلسطين، وقد تضمن صك الانتداب الانجليزي مجموعة من الامتيازات لصالح اليهود ومنها: ضرورة تسخير انجلترا تنظيماتها الإدارية والسياسية والاقتصادية قصد تكوين الدولة لليهود بفلسطين + ثم أن تؤسس انجلترا الوكالة اليهودية – وتم ذلك فعلا سنة 1929- لرعاية الشؤون الاقتصادية والاجتماعية لليهود قصد تهجيرهم من بلدان العالم وتوطينهم بالأراضي الفلسطينية + كما تساعد الإدارة البريطانية المنتدبة على فلسطين الوكالة اليهودية في انجاز الإشغال العمومية والخدماتية التي تحتاجها الجاليات اليهودية المستوطنة بفلسطين + إضافة إلى تسهيل منح الجنسية الفلسطينية لليهود وفرض اللغة الانجليزية والعبرية كلغات رسمية إلى جانب اللغة العربية بالأراضي الفلسطينية.
 دور الدعم الاقتصادي الانجليزي المتجدد: صعدت انجلترا من مساعداتها الاقتصادية للمستوطنين اليهود، بحيث أصدرت قوانين جديدة و تلاعبت بالقوانين العثمانية المنظمة للعقار ، وكان الهدف من ذلك تسهيل تفويت الأراضي العربية الفلسطينية للجاليات اليهودية، كما أمعنت في فرض الضرائب المجحفة على الفلاحين الفلسطينيين، ناهيك عن إغراقهم بالديون مما مكن انجلترا واليهود من مصادرة ملكية الأراضي حوالي  160000 دونم- 1دونم = 1000  متر مربع عند أهل الشام- وتشريد العائلات العربية الفلسطينية. وقد شجعت انجلترا اليهود على الشروع في زراعتها والتنقيب في باطنها على المعادن ومصادر الطاقة. وقد تزامن هذا الدعم الانجليزي مع هجرة يهودية مكثفة ففي سنة واحدة أي سنة 1935 توافد على فلسطين 61854  يهودي – ووصل العدد الإجمالي اليهودي المستوطن بفلسطين سنة 1935 حوالي 355157 فرد.
خلاصة  تنوعت الوسائل الاستعمارية التي اعتمدتها الصهيونية للتوغل داخل الأراضي الفلسطينية، وقد واجهتها مقاومة سياسية ومسلحة عربية فلسطينية (انظر المحورп اسفله)
3) المرحلة الثالثة: أشكال التمركز الصهيوني بفلسطين مابين 1939و 1948.
اعتماد الصهيونية الأساليب القمعية المتطرفة: إلى جانب الدعم الاقتصادي والإداري والسياسي، قامت انجلترا بتكوين وتدريب المليشيات الصهيونية المسلحة وخاصة بعد تنامي المقاومة الفلسطينية- ثورة البراق والانتفاضات التي تلتها انظر المحور أسفله ومنها منظمة أرجون هاغانا- المنظمة العسكرية القومية للدفاع عن اليهود- تأسست سنة 1931، ثم تنظيم  زفاي لومي و منظمة شترن- المحاربون من أجل حرّية إسرائيل- التي كانت أكثر المنظمات الصهيونية شراسة وشهرة تأسست سنة 1940. وشنت هذه المنظمات المتطرفة حملات عدوانية عنيفة على العائلات الفلسطينية حيث حرصت على ترويعها وتهجيرها من مساكنها وأراضيها، وفي نفس الوقت انقلبت على الإدارة الانجليزية، بحيث استهدفت مصالحها الإدارية والاقتصادية قصد إخراجها من الأراضي الفلسطينية . لذلك قررت انجلترا الانسحاب سنة  1947 وطالبت الأمم المتحدة بإيجاد بديل لانتدابها على فلسطين.
دعم الولايات المتحدة الأمريكية للحركة الصهيونية: بعد انتصار دول الحلفاء على النازية والفاشية، استغلت الحركة الصهيونية ما سمته حملات الإبادة الجماعية – الهولوكوست، مقتل حوالي 6 مليون يهودي - لليهود من طرف النازية بين  1933و1945 ، وقد شنت الحركة الصهيونية حملة استعطافية تضامنية عالمية وخاصة لدى الولايات المتحدة الأمريكية مطالبة بالدعم السياسي لتأسيس دولة مستقلة تجمع شتات اليهود وتقيهم من مثل المجازر النازية. وقد أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية مساندتها الكاملة لرغبات الصهيونية.
 تقسيم فلسطين وإقامة دولة إسرائيل .اطلع على الخريطة ص106: بعد إعلان انجلترا عزمها إنهاء انتدابها على فلسطين، قامت الجمعية العامة التّابعة لهيئة الأمم المتحدة في29 نوفمبر 1947  بالموافقة على قرار تقسيم فلسطين لإنهاء النزاع العربي/اليهودي-الصهيوني على أرض فلسطين الخاضعة للانتداب البريطاني. وقضى قرار 181 تقسيم فلسطين إلى مجال جغرافي تقام عليه الدولة العربية الفلسطينية،ومجال جغرافي تقام عليه دولة إسرائيل. وان تبقى مدينتي القدس وبيت لحم تحت الوصاية الدولية. وقد أعلنت انجلترا نهاية انتدابها في 14ماي1948 و في نفس اليوم أعلن الصهاينة قيام دولتهم إسرائيل، وشرعوا في التوسع على المناطق الفلسطينية وقاموا بتشريد العرب من أراضيهم متحدين الشرعية الدولية .
خلاصة مركزة . منذ القرن 19 إلى سنة1947  قدمت انجلترا دعما اقتصاديا وسياسيا وإداريا وعسكريا مهما للحركة الصهيونية، وبعد تزايد الضغوط الصهيونية عليها أعلنت للأمم المتحدة عزمها إنهاء انتدابها على فلسطين وتزامن ذلك مع التقرب الصهيوني من الولايات المتحدة الأمريكية التي استطاعت أن تمكنها من خطة تقسيم منطقة فلسطين وبالتالي إعلان دولة إسرائيل في 14ماي 1948 .
П- أشكال المقاومة الفلسطينية للتسرب الصهيوني إلى الأراضي العربية الفلسطينية.
1) خصائص المقاومة السياسية السلمية:
تأسست مجموعة من الجمعيات )الجمعية الخيرية الإسلامية،جمعية الإخاء والعفاف، جمعية مقاومة الصهيونية ( مباشرة بعد وعد بلفور والانتداب الانجليزي ودعمه للاستيطان اليهودي بفلسطين، وقد حرصت التنظيمات الفلسطينية على توعية الفلسطينيين بمخاطر الهجرة اليهودية وبمخاطر بيعهم أراضيهم لهم ، وذلك في خطب المساجد والكنائس والصحف والمجلات وخلال المظاهرات والإضرابات. كما قدمت اللجن الفلسطينية(اللجنة العربية العليا، اللجنة الوطنية للمؤتمر الإسلامي  المسيحي( عرائض للدول العربية ولعصبة الأمم تستنكر الدعم الانجليزي والاستيطان اليهودي بفلسطين.
 تنديد عربي قومي بالتحركات الصهيونية: أعلن المؤتمر العربي السوري العام الذي انعقد بدمشق في يوليوز1919 رفضه المطلق لمطالب الصهيونية بجعل فلسطين وطنا قوميا لليهود، كما احتج المغرب لدى الحكومة الانجليزية عقب أحداث ثورة البراق1929 على هدم القوات الانجليزية للاماكن الإسلامية المقدسة بفلسطين.
معارضة المرأة الفلسطينية للصهيونية : قررت النساء الفلسطينيات خلال أول مؤتمر نسائي عربي بالقدس في 26اكتوبر1929 رفض وعد بلفور والهجرة اليهودية إلى فلسطين وان تلتزم المرأة الفلسطينية بدور التوعية من مخاطر التحديات التي تواجه الأمة، وقد قامت النساء بعد المؤتمر بمظاهرة احتجاجية صامتة جابت شوارع القدس.
إفتاء العلماء بتحريم بيع الأراضي الفلسطينية: اجمع علماء المسلمين بقيادة الحاج محمد أمين الحسيني- ولد سنة 1897- توفي سنة 1974- في المؤتمر الأول لعلماء فلسطين في 26  يوليوز1934 بتحريم بيع الأراضي الفلسطينية، وقد نعتوا بالكفر والارتداد عن الإسلام كل عربي باع أو توسط أو سهل بيع الأراضي الفلسطينية للانجليز أو اليهود أو لغير المسلمين.
2) خصائص المقاومة المسلحة:

أدى تجاهل الإدارة الانجليزية للنداءات والتنديدات التي قادتها المقاومة السلمية والفلسطينية، وتماديها في دعم التركيز الصهيوني بفلسطين إلى اندلاع المقاومة المسلحة، وقد ابتدأت بثورة البراق يوم  29 غشت1929 عندما اعترضت عصابات صهيونية المصلين الفلسطينيين بعد خروجهم من صلاة الجمعة، وبعد وصول أنباء الاصطدامات  مع الصهيونيين والانجليز ، هبت حشود بشرية فلسطينية واستهدفت المصالح الانجليزية والصهيونية. وبعد ثورة البراق اندلعت انتفاضات متعددة- 1930الى 1947 -أبرزها العمليات الفدائية التي قادها عزالدين القسام إلى أن استشهد في مقاومة مسلحة ضد الانجليز سنة 1935، وبعده عمت الثورة العربية الكبرى سنة 1936 كل أرجاء منطقة فلسطين واستمرت المقاومة المسلحة حتى انسحاب بريطانيا وإعلان قيام دولة إسرائيل ثم تواصلت المقاومة لاحقا.
خاتمة:
اعتمدت الحركة الصهيونية على المساعدات الاقتصادية والمالية والعسكرية الدولية وخاصة الانجليزية وبعدها الولايات المتحدة الأمريكية وتمكنت بفضل ذلك من انتزاع القرار الاممي 181 الذي اعترف لها بالتواجد على الأراضي الفلسطينية حيث أعلنت عليها قيام دولة اليهود في 14ماي سنة 1948. ومنذ اللحظات الأولى للتغلغل الصهيوني بفلسطين تلقى مقاومة سياسية وعسكرية عربية فلسطينية